علم بجد .. هي سلسلة مقالات مطولة سأبدأ في نشرها تباعاً إن شاء الله على حسابي وعلى صفحتي الشخصية، متسلحاً بما درسته من فلسفة العلم والمنهجية العلمية في دراستي الأكاديمية واطلاعي العام، وبما تعلمته من أن النقد هو وسيلة العلم، وليس التسليم الأعمى، وأن العلم الطبيعي منهجية مقيدة بالدليل وكفايته.
في هذه السلسلة، ليس هدفي الأسمى في الواقع هو نقد أو نقض نظرية بعينها! بل إن هدفي الأسمى هو تعليم شبابنا وإخواننا وأبناءنا أن التفكير النقدي هو المبدأ الأساسي في العلم الطبيعي، وليس التسليم الأعمى لأي طرح دون أن تكون هناك أدلة تؤيده.
وهذا الهدف أجده متسقاً مع تعاليم ديننا الحنيف، وإرشاد ربنا عز وجل القائل في كتابه:
“وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” (الإسراء – 36)
وهو الذي أيضاً ذم التخرص والقول بالظن، فقال سبحانه:
“وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا” (النجم – 28)
هذه الآيات وغيرها وإن كانت نزلت في المشركين ومن هم مثلهم، فإن معناها عام في النهي عن اتباع الظنون والأوهام، ووجوب التثبت من أي أمر وطلب الدليل عليه، بل إنني أعتقد أن الله تعالى إنما شرف هذه الأمة بأن جعلها أمة الدليل، إذ حفظت دينها، وكتاب ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم بالتثبت وطلب الدليل وترك المتشابه والعمل بالمحكم.
منهجي في هذه السلسلة أن أطرح للقارئ الكريم نبذة عن أسس المنهج العلمي، والطريقة العلمية، وكيف يجب أن نفكر في العلوم الطبيعية، وما هي الأدلة التي ينبغي أن نطلبها قبل أن نسلم بصحة أي نظرية علمية، ثم يكون التطبيق العملي لهذه الأفكار هو تبيان موقفي العلمي من نظرية التطور كنموذج لشيوعها بين الناس، ودخولها كثيراً في الجدل الدائر – بحق أو بغير حق – في الحوار بين الإيمان والإلحاد.
ستعرض هذه السلسلة بين أيديكم مقدمة عامة عن فهم فلسفة العلوم، ثم مقدمة عامة عن النظرية، وبناءها النظري، وأدلتها، وتوقعاتها، ومناقشة تلك الأدلة والتوقعات تبعاً للمنهجية العلمية، ومن الأوراق العلمية المحكمة والمنشورة في المصادر العلمية المتبعة.
لا أدعي أبداً أنني عالم في البيولوجيا التطورية، لكنني كأكاديمي درست فلسفة العلوم والمنهجية العلمية أعرف تماماً كيف تقرأ الأوراق العلمية، وكيف يُستَدَل بها، ولن أعرض شيئاً من عندي ولن أخترع جديداً بل كل ما سأعرضه هو من الأبحاث العلمية المنشورة.
وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه السلسلة، وأن يجعلها مرجعاً لفهم الطريقة العلمية أولاً، ولتحفيز شباب المسلمين على طلب العلم النافع في الدين والدنيا، وعلى تحفيز الفكر النقدي والنظر في الأدلة.
وكل ما أطلبه ممن يتابع هذه السلسلة أن لا يدع تلك المقالات تقف عنده إن رأى أنه قد استفاد منها.
والله الهادي إلى سواء السبيل.