Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
علم بجد

علم بجد – مقال 17

ما بعد الكامبري

الانفجارات الأحيائية ما بعد الكامبري

نكمل إن شاء الله ما بدأناه حول الانفجارات الأحيائية، ونستكمل هنا بعضها فيما بعد الحقبة الكامبرية.

الحدث الأوردوفيشي العظيم (485 – 460 مليون سنة مضت)

رغم أن الانفجار الكامبري هو الحدث الأكثر شهرة، لكننا كما بيننا، ليس هو الحدث الوحيد الذي تظهر فيه مجموعات كبيرة من الكائنات الحية في فترات قصيرة للغاية ودون أشكال وسيطة ولا سلاسل تطورية، وقد ذكرنا بعض ذلك قبله. وهذه الظاهرة موجودة كذلك بعد الانفجار الكامبري.
الحدث الأوردوفيشي العظيم للتنوع الحيوي – Great Ordovician Event الذي حدث منذ 460 مليون سنة تقريباً، والذي حدثت خلاله زيادة مفاجئة في المخططات الجسدية التي نشأت في العصر الكامبري، حيث زادت فجأة أعداد العائلات من 100 إلى ما يزيد عن 500 عائلة مختلفة. ويطلق البعض على هذا الحديث اسم (الانفجار العظيم الثاني للحياة . مرة أخرى، نحن أمام حدث آخر مفاجئ في مدة زمنية قصيرة جداً. (81)
إن فرضية داروين حول التطور من أسلاف مشتركة حين تتنبأ باختلاف كبير في المخططات الجسدية – بمعنى كيف يتكون جسد حيواناً رخوياً بالمقارنة التكوين الجسدي لحيوان فقاري أو حيوان مفصلي – فإنها أولاً تتنبأ بوجود النوع السلف، ثم يتفرع هذا السلف إلى فرعين نوعيين أوسع، ثم ينفصلا إلى جنسين مختلفين، ثم إلي عائلات مختلفة، ثم إلي أنواع مختلفة، وهكذا، على فترات زمنية طويلة تسمح بتراكم هذه الاختلافات لتصنع هذه الشعبة الضخمة من المخططات الجسدية المختلفة.
لكن ما نجده حقاً في السجل الأحفوري ليس هو ذاك النمط الذي يصعد من الأسفل إلى الأعلى بشكل شجري، ولكنه نمط مستقر من الأعلى إلى الأسفل. نجد أنه فجأة وبلا مقدمات ظهرت هذه المخططات الجسدية المختلفة في الانفجار الكامبري، ثم بعد فترة ثبات، نجد هذا التنوع إلى العائلات المختلفة والمتباينة. ولذلك، فإن فالسجل الأحفوري هو على النقيض تماماً من توقعات الفرضية الداروينية عن الانحدار من سلف مشترك.

التنوع السيلوري الأول للنباتات (427 – 393 مليون سنة مضت)

نفس الحال حين ننظر إلى أول نباتات أرضية!
نجد حدثاً انفجارياً مشابهاً، وهو التنوع السيلوري – الديفوني الأول (Silurio-Devonian Terrestrial Revolution) للنباتات الأرضية (مجموعات النباتات الموجودة على الأرض) هو المثيل المكافئ للانفجار الكامبري للشعب الحيوانية. (82)
نجد أن التصميمات والمخططات الأصلية للنباتات قد ظهرت ظهوراً مفاجئاً بنفس النمط المميز للظهور المفاجئ الذي حدث في الحيوانات البحرية خلال العصر الكامبري. وسنجد أن أقدم النباتات الأرضية على الإطلاق والمسماة (باراجواناثيا – Baragwanathia) والتي عثر عليها في الهند فسنجد أنها تنتمي بالفعل إلى مجموعة لا تزال تعيش إلي الآن وهي مجموعة (الحزازيات الذئبية – Lycopodiopsida).

الانفجار الديفوني (410 – 400 مليون سنة مضت)

في المرحلة التالية للعصر الديفوني لدينا حدث انفجاري آخر يطلق عليه (الثورة الديفونية النكتونية – Devonian Nekton Revolution). حدث انفجاري آخر تظهر فيه التكوينات الكاملة للحيوانات البحرية خلال مدة قدرت بعشرة ملايين سنة.
الشكل المرفق في الأسفل يظهر وجود ثلاث طرق مختلفة للكيفية التي كانت تعيش بها الكائنات البحرية. يعيش بعضها بالقرب من الأرض وهذا يسمي (صنف الكائنات المغمورة) وأخرى تطفو هائمة في تيارات الماء وتسمى بــ (العوالق) بينما تسبح كائنات أخري في الماء بنشاط مثل الأسماك والرخويات الرأس-قدميه وهذه المجموعة هي التي تسمى (بالنكتونات – Nektons) (83)
نري في الشكل أن الغالبية العظمي من الكائنات البحرية قبل الانفجار الديفوني كانت إما عوالق أو مغمورات تعيش بالقرب من الأرض. المنطقتان (1) و (2) تشيران إلى نسبة الأنواع التي كانت تعيش حياتها بهذه الطريقة. بعد الانفجار الديفوني، أصبح ثمانين بالمئة تقريباً من التنوع البحري لكائنات تسبح في الماء بنشاط كما في المنطقة (3). إذاً فلدينا تغير مفاجئ وشامل في النظام البيئي البحري. ومن جديد فإن هذه “الثورة” أو الحدث المفاجئ لم تسم ثورة بواسطة ناقدي داروين، وإنما بواسطة التطوريين أنفسهم. (84)
وتزامناً مع هذا الحدث في العصر الديفوني أيضاً، نجد ما سماه التطوريون أيضاً (بانفجار أودونتود – Odontode explosion) وفيه نجد المنشأ المفاجئ لمجموعة من تركيبات الأسنان في مجموعات مختلفة من الأسماك كأسماك القرش وغيرها، أيضاً خلال فترة زمنية قدرها عشرة ملايين سنة، ودون تسلسل أو تدرج أو خط تطوري يظهر كيفية نشوء هذه الصفات المستحدثة (85).

الانفجار الترياسي (248 – 240 مليون سنة مضت)

في العصر الترياسي (الثلاثي)، نجد مجموعة من الأحداث المفاجئة الانفجارية على مستوى العائلات. يصف التطوري (بيتر وارد – Peter Ward) في كتابه عن العصر الترياسي والمسمى (من العدم، الديناصورات والطيور، ومناخ الأرض القديم) هذا الحدث قائلاً:
“إن هذا المنشأ المفاجئ كان مهماً جداً بالنسبة لحياة الحيوانات على سطح الأرض، تماماً مثلما كان الانفجار الكامبري مهماً بالنسبة لحياة الحيوانات البحرية” (86)
حدث آخر بنفس النمط الانفجاري، من جديد لدينا ظهور مفاجئ لرباعيات الأرجل، وأقدم الحيوانات الثديية، أقدم السحالي، أقدم التماسيح، أقدم السلاحف، وأقدم الديناصورات، كلها ظهرت خلال فترة قصيرة في العصر الترياسي. سنجد قفزة حدثت من اللاشيء إلى منشأ خمسة عشر عائلة مختلفة من الزواحف المائية البحرية – كلها الآن منقرضة – واستغرقت هذه القفزة فقط 8 ملايين سنة.
كان من بين تلك الأنواع زواحف مثل (الإكتيوصوروس – Ichthyosaurs) الذي من المفترض أن يكون قد تطور من كائن زاحف يشبه السحلية إلى شكله الكامل الذي يشبه الدولفين خلال أربعة ملايين سنة فقط من الوقت!
في نفس العصر، نجد مثل ذلك في الزواحف الأرضية الطائرة والمنزلقة، هناك مليوني سنة فقط كفترة زمنية انتقالية لتتطور كل المدخلات اللازمة للاقتراب من وجود آليات معقدة للغاية مثل الطيران والانزلاق، وحتى أول الزواحف التي بدأت الطيران بنشاط كانت (التيروصورات – Pterosaurs) التي ظهرت فجأة من العدم ولا نعرف كيف كان يبدو أسلافهم المفترضين غير الموجودين في السجل الأحفوري.
وحتى الديناصورات الأرضية حينما ظهرت وتنوعت في نهاية العصر الترياسي، تخبرنا تلك الورقة البحثية المنشورة في عام 2018 عن تنوع الديناصورات ما نصه:
“إنه من المدهش حقاً الوضوح الكامل للتغير التام من (لا ديناصورات على الإطلاق) إلى (كل الديناصورات)” (87)

ظهور النباتات المزهرة (130 – 115 مليون سنة مضت)

نفس النمط نجده في ظهور النباتات المزهرة التي ظهرت في الفترة الأولي من العصر الطباشيري منذ ما يقرب منذ 125 مليون سنة تقريباً. وقد كان هذا الحدث معروفاً بالفعل لداروين وسماه (اللغز البشع) لأنه كان مناقضاً تماماً لتوقعاته عن الظهور المتدرج والنمط التطوري المتسلسل (88)
تقول (بيكي أوسكين – Becky Oskin) في مقالها المنشور عام 2015:
“في ذلك الوقت، منذ 125 مليون سنة انبثقت كاسيات البذور وهي نباتات مزهرة إلى الوجود خلال العصر الطباشيري كأشكال كاملة تامة، كما تنبثق أفرودايت في الأساطير الإغريقية، بلا سابق إنذار” (89)

أحداث أخرى مشابهة

نفس النمط نجده في ظهور الفراشات، فقد ظهرت فجأة من العدم بعد أن كان لا يوجد أي فراشات في العصر الطباشيري، ظهرت كل عائلات الفراشات الحديثة المعروفة بدون وجود فترة انتقالية من الأشكال الوسيطة في الفترة بين 55 – 25 مليون عام في كل من أمريكا وأوروبا.
نفس النمط نجده في ظهور الطيور الحديثة في الفترة بين 65 – 55 مليون عام. هناك أربع سلالات فقط من الطيور التي افترض التطوريون أنها نجت من حادث تصادم النيازك الذي تسبب في انقراض الديناصورات. وبعد ذلك، خلال 10 ملايين سنة، تظهر كل السلالات المختلفة للطيور الحديثة وبشكل مفاجئ، وسمي ذلك، على حسب تعبير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، باسم (بالانفجار الكبير لتطور الطيور) (90)
نفس النمط سنجده في ظهور الحيوانات الثديية المشيمية، تلك التي تتميز بوجود المشيمة التي تغذي الجنين داخل الرحم بحيث ينمو الجنين نمواً كاملاً أثناء الحمل، في الفترة بين 62 – 50 مليون عام.
تخبرنا دراسة حديثة عن تفرع السلالة الجزيئية للثدييات المشيمية أن كل المجموعات من هذه الحيوانات الثديية مثل الحيتان، وآكلات اللحوم، والقردة العليا، وغيرها ظهرواً جميعاً خلال نفس الفترة تقريباً في الفترة الأخيرة من العصر الترياسي كما أظهرت السجلات الحفرية الأولي لهذه المجموعات، ولا شيء منها يظهر حيث كان متوقعاً أن يظهر وفقاً لبيانات التحليل الجزيئي (91).
وعندما ظهرت تلك الثدييات، ظهرت حتى المجموعات المعقدة منها مثل الخفافيش. وإذا قارننا الحفريات الخاصة بأقدم نوع معروف من الخفافيش، بالهيكل العظمي لخفاش معاصر فلن نجد أنهما يتميزان عن بعضهما بأي فرق، حتى أن الاثنان كانا يملكان المقدرة علي الرصد الصوتي عن طريق الصدى، فهو ليس خفاشاً أولياً أو وسيطاً، ولكنه كان موجوداً بشكل كامل بالفعل في أقدم نوع من العائلة.
إن كل الأحداث الانفجارية السابقة تخبرنا بوضوح أن الأدلة تكذب فرضية داروين الأساسية، وأن السجل الأحفوري لا يدعم تلك الفرضية بل الأدلة تخالفها، ليست مرة واحدة، ولا اثنتان، بل على طول الخط. فالدعوى أن كل شيء على ما يرام في نظرية التطور هو ببساطة دعوى كاذبة لا تؤيدها الأدلة! بل من المهم هنا أن نلاحظ الغياب التام لأي سلاسل تطورية تصل بين الكائنات المعدودة القليلة التي افترض التطوريون أنها (أسلاف) وبين أي شكل من أشكال الكائنات المتواجدة حالياً.
يهمنا هنا أن نذكركم مرة أخرى بأن الفرضية القابلة للتكذيب يثبت خطأها ولو بدليل واحد مخالف للتوقعات، فما بالنا إن كانت الأدلة تخالف التوقعات على طول الخط.
المصدر
(81) James O'Donoghue, 2008, The Ordovician: Life's second big bang, NewScientist, 11 June 2008(82) Richard M. Bateman, et al., 1998, EARLY EVOLUTION OF LAND PLANTS: Phylogeny, Physiology, and Ecology of the Primary Terrestrial Radiation, Annual Review of Ecology and Systematics, 29,1, pp263-292(83) Klug et al., 2010, The Devonian nekton revolution, Lethaia, Vol. 43, pp. 465–477(84) المصدر السابق – ص 472(85) Fraser et al., 2010, The Odontode explosion: The origin of tooth‐like structures in vertebrates, Bioessays, 32, pp 808-817(86) Peter Ward, 2006, Out of Thin Air: Dinosaurs, Birds, and Earth's Ancient Atmosphere, Joseph Henry Press (87) Massimo Bernardi, et al., 2018, Dinosaur diversification linked with the Carnian Pluvial Episode, Nat Commun 9, 1499(88) William E Friedman, 2009, The meaning of Darwin's 'abominable mystery'. Am J Bot, 96, 1, pp 5-21 (89) Becky Oskin, 2015, Controversy Blooms Over Earliest Flower Fossil, Live Science(90) AMNH, 2014, Mapping the “Big Bang” of Bird Evolution, American Museum of Natural History, Dec 11, 2014(91) Foley Nicole M., Springer Mark S. and Teeling Emma C., 2016, Mammal madness: is the mammal tree of life not yet resolved? Phil. Trans. R. Soc., B37120150140

أشرف قطب

حاصل على بكالوريوس العلوم في تخصص الكيمياء الحيوية من جامعة بنها في مصر، وماجستير العلوم في إدارة نظم المعلومات، وماجستير الإدارة في تخصص إدارة المعلومات، وماجستير العلوم في إدارة النظم الهندسية، من جامعة ليستر في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى