التطور والتوزع الجغرافي للكائنات
هذا المقال هو تلخيص لمناقشة حول التطور والتوزع الجغرافي للكائنات الحية، وهل تتفق توقعات نظرية التطور مع ذلك التوزيع الحيوي، أم أن الأدلة تخالف توقعات النظرية (كالعادة)؟
ما هي فرضية التطور نتيجة الانعزال الجغرافي؟
هي حجة أفرد لها داروين الفصلين الثاني عشر، والثالث عشر من كتابه، وتحدث فيها داروين عن مسألة “التوزيع الجغرافي” للكائنات، وملخص فرضية داروين ما يلي:
الظروف البيئية الناتجة عن العوامل البيئية المتكونة نتيجة أحداث طبيعية كبرى – مثل الصدع الإفريقي الكبير الذي هو موضوع مناقشتنا – تؤثر بشكل كبير على الكائنات الحية مما يدفعها للتأقلم، ومن ثم التطور الكبروي!
هذا هو ملخص حجة داروين، والآن لنرى، هل الأدلة التي بين أيدينا تؤيد هذه الفرضية؟
بداية يجب أن نقول أن داروين نفسه قد رأى أن الأدلة لا تتفق مع فرضيته هذه فقال:
ويقول أيضاً:
وعلى الرغم من أن داروين نفسه في كتابه قد أشار إلى عدم اتساق الأدلة مع فرضيته، إلا أنه قد نظر إلى التشابهات المورفولوجية الظاهرية فقط، واعتبر مثلاً أن وجود الثدييات الجرابية في أستراليا حصرياً هو دليل على أهمية الانعزال الجغرافي بعد الحوادث الجغرافية المهمة كالانزياح القاري والصدع الإفريقي في حدوث تطور هذه الحيوانات إلى جرابيات! لكن الأدلة للأسف تضافرت على تكذيب تلك الفرضية من بعده مرات ومرات!
فالثدييات الجرابية التي استدل داروين على انعزالها في استراليا وتطورها من سلف جرابي في تلك المنطقة تحديداً، وجدت في مناطق أخرى كثيرة بعيدة جداً عنها، وهي حفريات قديمة للغاية، وأقدم من وجودها في استراليا حيث بدأ تطورها المفترض، حيث وجود الجرابيات في استراليا يقدر عمره بحوالي 30 – 40 مليون سنة، بينما عثر على حفريات لكائنات تنتمي للجرابيات في أمريكا الشمالية يقدر عمرها بـ 80 مليون سنة (3)، وفي الصين ويقدر عمرها بـ 100 مليون سنة (4)، وفي أوروبا (فرنسا) ويقدر عمرها تقريباً بنفس عمر الحفريات الأمريكية (5).
توضح دراسة أخرى أيضاً العديد من الأمثلة الأخرى عن عدم اتساق التوزيع الحيوي مع توقعات الانعزال الجغرافي والتوقعات التطورية حول الأسلاف المشتركة، كتوزع الضفادع، والسحالي، وليمور مدغشقر، والقردة الإفريقية، والطيور (6).
وهناك العشرات من الأمثلة الأخرى في العديد من الشعب النباتية والحيوانية .. ولم يقدم طبعاً التطوريون أي سبب لمخالفة تلك الأدلة للتوقعات الداروينية سوى افتراضهم أن بعض هذه الكائنات قد عبرت المحيطات سباحة، كافتراضهم أن القردة – التي لا تجيد السباحة أصلاً – قد عبرت الأطلنطي سباحة لآلاف من الكيلومترات في المحيط المفتوح من إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية!
وجود القردة في إفريقيا هو مثال آخر وضعه داروين، حيث افترض أنها قد تطورت وانقسمت إلى قردة عليا وبشر بتأثير “الضغوط التطورية”، لكن كالعادة، فإن الأدلة ما فتئت تخيّب آمال داروين! فالقردة التي كان داروين يظن أنها خاصة بإفريقيا حصرًا ومن ثم انقسمت إلى قردة عليا وبشر عُثِر على حفرياتها في أمريكا الجنوبية بعد ملايين السنين من انفصال القارتين!
يخرج بعضهم في دراسات في دوريات علمية بفرضية مفادها: إنّ القردة التي وُجدت في أمريكا الجنوبية قد عبرت المحيط المفتوح سباحة من إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية! (7)
نعم، صدق أو لا تصدق!
هكذا يتعامل التطوريون مع العلم، حدوتة ظريفة عن القرَدة التي رمتها عاصفة في المحيط الأطلسي، ثم ولحسن الحظ، عبروا آلاف الأميال في المحيط المفتوح دون غذاء ولا ماء عذْب، فوقعوا في أمريكا الجنوبية، فعثرنا على حفرياتهم هناك بعد ملايين السنين. وعلى الرغم من أنّ هذا مجرد خيال علمي كما يقول المقال يفوق في سخافته أفلام هوليوود، لكن لا بد وأنه قد حصل، ولا بد أنْ تصدقوه وإلا فأنتم أعداء العلم!
ليس لديهم شبه دليل أن هذا قد حصل، لكن لابد أنه قد حصل لأن هذا هو ما يتماشى مع العقيدة الداروينية.
تطور القردة الإفريقية
افترض التطوريون أن حدوث الصدع الإفريقي الكبير، وبالأخص الصدع الشرقي كان أحد العوامل المهمة في تطور القردة الإفريقية وصولاً – كما يفترضون – إلى البشر. فهل تؤيد الأدلة هذه الفرضية؟
في الواقع فإن بدأ حدوث الصدع الإفريقي الكبير يعود تاريخه إلى 35 مليون عام وليس ستة ملايين كما يزعم بعض التطوريين، ويعود تاريخ الصدع الشرقي إلى 22-25 مليون عام نتيجة تحرك الصفائح التكتونية الكبرى (الصفيحة العربية، والصفيحة الإفريقية)، ثم تكونت جبال كينيا وكالمنجارو كجبلين بركانيين بعد التصدع بحوالي 3 ملايين سنة. (10)
لذا فإن الدراسات تخبرنا أن الصدع قد حدث قبل فترة كبيرة جداً من التطور البشري المزعوم، فهو ليس حدثاً فجائياً سبب تغيرات صعبة وفجائية كما يعتقد التطوريون. فالصدوع والجبال موجودة قبل القردة بملايين السنين، ولكن القردة -وفقًا للزمن الذي حددته نظرية التطور- ظهرت بعد حدوث التصدع وتكون تلك الجبال، ثم عاشت هناك ملايين السنين في شرق أفريقيا، ولو كان لفرضية التطوريين أثر من الصحة؛ بمعنى أنه لو كان مثل هذا التغير البيئي المزعوم قد حدث وكان مؤثرًا في نشأة الإنسان منتصب القامة، لكان المفترض أن ينشأ الإنسان من زمن أقدم بكثير مما يفترضه التطوريون.
فلماذا لم يظهر الإنسان من البداية؟ ولماذا ظهرت قردة غير قادرة على نصب قاماتها طالما نشأت بعد هذا التغير الجيولوجي الذي يدّعون أنه أقحلت بسببه الأراضي، ومُحيت الغابات؟
يكفي في الحقيقة لبيان خطأ تلك الفرضية هو اكتشاف حفرية تنتمي لنفس عرق الإنسان المعاصر في المغرب، والتي يعود تاريخها إلى 300 ألف عام، بينما السلف المفترض “هومو إريكتس” تعود أحدث حفرياته إلى 140 ألف سنة وعثر عليها في آسيا لا في إفريقيا، على عكس الزعم التطوري أن أول جنس منتصب خرج من إفريقيا بعد الانعزال كان الهومو إريكتس (11).
كما أن الدراسات الجغرافية والواقع الحالي يضادان النظرة التطورية، فلا المناخ عامة في أفريقيا شرق خط الاستواء متصحر، ولم تكن الأجزاء المتصحرة منه كذلك حتى عهد قريب قبل التدخل البشري الجائر، فدول مثل كينيا وتنزانيا وإثيوبيا ليست متصحرة، ويوجد فيها تنوع كبير للحياة البرية، بل وتتواجد فيها العديد من أشكال القردة والقردة العليا إلى يومنا هذا، فإفريقيا يتواجد بها 111 نوع من القردة والتي تعيش في الغابات كما تعيش على حشائش السافانا (12) .. ولا تعتمد البابون والسعادين والشمبانزي على الأشجار، ويمكنهم البقاء على قيد الحياة في مناطق السافانا والمناطق شبه الصحراوية. والقردة العليا مثل الغوريلا والشمبانزي والبونوبو، توجد في أوغندا، والكونغو الديمقراطية، وغيرها من البلدان الاستوائية ذات الغابات المطيرة.
الشمبانزي الذي يفترض التطوريون أنه ابن عم الإنسان لا يعتمد على الأشجار مثله في ذلك مثل الإنسان، وبالتالي فمن المفترض أن يكون مسار تطورهما واحدًا فيما يخص انتصاب القامة، فليس سلفهما المشترك بحاجة إلى أن تنتصب قامته عندما تنعدم الأشجار فيتطور إلى إنسان بينما يبقى المسار التطوري للشمبانزي كما هو ليظل قردًا. ولا زالت القرود، خاصة الشمبانزي، تعيش في مناطق حشائش السافانا، بل وبعض المناطق شبه الصحراوية في أفريقيا وغير أفريقيا وهي مطابقة للمناخ المزعوم وقت حدوث الصدع الذي بيننا عدم دقته أساساً، ولم تتغير!
التطوريون يؤرخون أيضاً لتواجد السلف المشترك “الغامض” بين الإنسان والشمبانزي – والذي بالمناسبة لا يعرف ما هو إلى ساعتنا هذه – في حدود 9 ملايين عام .. وتؤرخ الدراسات تواجد القردة العليا في حدود 25 مليون عام حين حصل الانفصال المفترض بين القردة الإفريقية، والقردة العليا (13)
ولذلك، فمخلص الوضع هو كالتالي: يفترض التطوريون أن التطور حصل من القردة العليا إلى الإنسان في حدود 3 ملايين عام على الأكثر، من القردة الجنوبية إلى البشر .. بينما تؤكد لنا الدراسات أن القردة العليا قد وجدت منذ 25 مليون عام، أي عاصرت حدوث الصدع الإفريقي منذ بدايته، وبقيت رغم الظروف “القاسية” التي يدعونها كقردة غير منتصبة تستعمل الأشجار لكنها لا تجدها بسبب الظروف البيئية، وظلت على ذلك قرابة الـ 22 مليون عام – نعم، 22 مليون عام – إلى أن قررت ذات صباح والعصافير تغرد أن تتطور وتنتصب وينمو لها عقل ووعي وإدراك ولغة في 3 مليون عام حتى تنتصر على الظروف البيئية التي عاشت فيها 22 مليون سنة ولم تنقرض! نعم، هذه هي تلك الحدوتة التي يطلبون منا تصديقها! وحين نسألهم عن دليل يقولون لنا عفواً، لا نستطيع، الأمر قديم جداً .. ملايين السنين!