منذ عهد ليس ببعيد، كان التطوريون وعلى رأسهم عرابيهم مثل دوكينز وغيره يقولون:
“أعطوننا مثال على حفرية ليست في مكانها أو زمانها الصحيح، ونحن نقر لكم بخطأ التطور.”
فاعتقد بعض “حسني النية” من بني جلدتنا أن التطوريين بهذا قد وضعوا فروضهم للاختبار، وجعلوها قابلة للتكذيب، وأنهم “منصفون علمياً”، وأنهم لا تحركهم الأهواء ولا الأيديولوجيات معاذ الله، وأن الوسط العلمي نزيه دائماً.
فلما تتابعت الاكتشافات عن حفريات ليست في مكانها الصحيح، أو ليست في زمانها الصحيح، على سبيل المثال لا الحصر:
1- تعاصر ما أسموه الإنسان المعاصر، وإنسان هايدلبيرغ، وإنسان ناليدي، والنياندرتال والدينيسوفان، وإنسان فلوريس، وإنسان كالاو، وحتى الإنسان المنتصب (هومو إيريكتس) .. فلم يعد هناك سلف ولا خلف (1)
2- ظهور الحوت البحري الكامل Fully Aquatic قبل كل الأسلاف البرية المفترضة تقريباً للحوت البحري (2)
3- تواجد بعض قردة العالم القديم التي من المفترض تواجدها في إفريقيا، في أمريكا الجنوبية، بعد ملايين السنين من انفصال القارتين (3)
4- العديد من الأمثلة الأخرى لكائنات برية وبحرية لا تتفق أماكن تواجدها مع توقعات التوزيع الحيوي للتطور، كـتوزع الضفادع، والسحالي، وليمور مدغشقر، والقردة الإفريقية، والطيور والحشرات! (4)
5- ظهور الطيور والطيران قبل السلف المفترض لها (الآركيوبتركس) (5)
وهذه كما قلت مجرد (أمثلة) بسيطة، وإلا فهناك العديد غيرها.
هل أقر التطوريون بخطأ وفساد فرضياتهم، وأذعنوا لفشل التوقعات التي وضعوها هم بأنفسهم؟! .. لا، على الإطلاق.
كانت النتيجة أنهم وضعوا فروضاً أخرى إضافية ad-hoc hypotheses لتحصين فرضياتهم من التكذيب. فاخترعوا فرضيات أخرى مثل التطور المتقارب، والتطور السريع، والتكيف الإشعاعي adaptive radiation، وغيرها، ووضعوا التطور على عصا السرعات، يغيرونه كيف شاءوا .. فتارة يكون بطئ ومتدرج، وتارة يكون سريع ومفاجئ، وهكذا .. دون وجود أي دليل لتأكيد هذه الفرضيات نفسها!
هذا النهج وما هو مثله يظهر بجلاء أن المشكلة مع التطوريين هي مشكلة أعمق بكثير من خلاف حول نظرية علمية، بل هو خلاف مع قوم لا يحترمون العلم نفسه، ولا المنهج العلمي. قوم يحاولون الحفاظ على فكرة أيديولوجية، فيمدون لها مداً كلما فشلت. قوم لا يحترمون فشل فرضياتهم ولا توقعاتهم، ولا يمتلك معظمهم أدنى نزاهة علمية.
ولذلك كما ذكرت من قبل، فإن النظرة التطورية خطر على العلم نفسه، قبل أن تكون خطراً على أن منهجية أخرى.