هل التطور الكبروي اختراع خلقوي؟
رأيت أحد المنشورات لأحد التطوريين وهو يكرر كلاماً ما فتأ التطوريون على تكراره، بما في ذلك عراب الإلحاد دوكينز – يقول المنشور:
“في الواقع لا يوجد شيء اسمه تطور صغير وكبير فالتطور عبارة عن تغيرات صغيرة تتراكم فإن قررنا أن نعاين التطور ضمن فترة زمنية قصيرة سيبدو (صغير) وإن قمنا بمعاينته ضمن فترة زمنية طويلة سيبدو كبير. ريتشارد دوكنز وجميع العلماء في مجال علوم الأحياء لا يميزون التطور بكبير وصغير وهذا الطرح تم ابتكاره من قبل الخلقيين المسيحين وثم اقتبسه “الباحثون” المسلمون وطرحوه وكأنه مسلّمة علمية.”
وبغض النظر عن أن الجملة العبقرية (وإن قمنا بمعاينته ضمن فترة زمنية طويلة) هي دلالة على عدم فهم الموضوع في الأساس، إذ كيف سيمكننا (معاينته) أصلاً ضمن فترة زمنية طويلة تقدر بملايين السنين كما يقولون، فإن مشكلة التطوريين الأولى والبالغة الأهمية هي أنهم في الحقيقة لا يقرأون!
وسنعرض في هذا المقال كيف أن التفرقة بين الـ microevolution و الـ macroevolution أو التطور على المستويات الصغروية والكبروية ليس اختراعاً “خلقوياً” كما يظن البعض بسذاجة!
بداية، يجب أن نعلم أن أول من طرح المصطلح هو عالم تطوري دارويني أصلاً هو العالم الروسي (يوري فيليبتشينكو) في كتابه المنشور عام 1930 حيث قال (1):
“لا توجد وسيلة لفهم آلية التطور الماكروي والذي يتطلب وقتاً في نطاق الحقب الجيولوجية إلا بملاحظة العمليات التي يمكننا ملاحظتها في الأزمنة القصيرة من حياتنا البشرية والتي عادة ما تكون تحت ظروف التحكم البشري. إننا مضطرون بالمستوى الحالي من معرفتنا أن نضع بمنتهى التردد لافتة تحاول المساواة بين النوعين من التطور ونكمل بافتراض صحة هذه الفرضية”
فالمصطلح أصلاً ليس خلقويًا ولا مسيحياً ولا إسلاميًا!
طيب، هل هناك “روابط ومراجع موثوقة تشير لقبول المجتمع العلمي بوجود نوعين من التطور (كبير وصغير)”
خذ عندك ….
1- المرجع البيولوجي Campbell’s Biology يعرف التطور الماكروي كالتالي:
“تغير تطوري يحدث على نطاق واسع ويتضمن نشوء صفات وبنى جديدة، وطرق تطورية، وأحداث انقراضية كبرى”
2- المرجع البيولوجي Futuyma’s Evolutionary Biology في الفصول من 23 إلى 25 يتناول الفرق بين التطور الماكروي والصغروي قائلاً:
“الآن سندرس مفهوم (التطور الماكروي) والذي يتضمن نشوء وتنوع أصول شعب الكائنات”
“التطور الصغري: تغير بسيط في الحوض الجيني على مستوى الأجيال داخل نفس النوع نتيجة الوراثة”
3- كتاب عالم الأحياء التطوري (ستيفن ستانلي) – Macroevolution: Pattern and Process يقول (2):
“إن السجل الحفري بشكله الحالي قد فشل في إظهار أي نوع من التطور يفسر ظهور الشعب الأساسية والانتقالات البنيوية الكبرى وبالتالي فإنه لا يقدم أي دليل على صحة التطور التدريجي”
4- ورقة عالم الأحياء التطوري (روجر لوين) المنشورة في دورية ساينس عام 1980 عن نتائج مؤتمر شيكاغو، أحد المؤتمرات التطورية الكبرى، يقول فيها (3):
“إن السؤال الرئيسي في المؤتمر كان عما إذا كان من الممكن تعميم آليات التطور الصغروي على التطور الماكروي. وبالمخاطرة في التصريح بذلك وأنه سيغضب بعض المشاركين، فإن الإجابة الواضحة على هذا السؤال هي: بالطبع لا”
5- ورقة عالم الأحياء التطوري (دوجلاس إروين) المنشور في دورية ساينس عام 2000 والتي عنوانها (التطور الماكروي أكثر من دورات من التطوري الصغروي) تناقش الورقة بكاملها الاختلاف بين علماء الأحافير وعلماء البيولوجيا في نشوء البنى المعقدة في الشعب الحياتية المختلفة دون أي مسارات تطورية (4)
6- وأخيراً وليس آخراً، مقال التطوري الشهير (جيرد مولر) في مؤتمر الجمعية الملكية البريطانية الأخير (5) في نوفمبر 2016:
“هناك نسخة متعنتة من معارضة أي نقد حول التطور- وهي استخدام حجة “لقد تم ذكر ذلك من قبل” والتي تستخدم لتحويل أي تحديات تجاه الرؤية التي يتم استقبالها إلى جدال لا ينتهي حول (التطور الصغروي ضد التطور الكبروي). فبينما يعتبر “التطور الصغروي” هو التغير المستمر في ترددات الأليل داخل الأنواع أو الأجيال، فإن مفهوم التطور الكبروي يظل غير محدد ويقوم بدمج مسألة الانتواع مع مسألة أصل “الأصناف الرئيسية” مع ما يسمى “بالتغيرات الظاهرية الرئيسية” أو نشوء البنى الجسمية الأساسية. وعادة ما ينقلب الاعتراف الصريح بمشكلة أصل السمات الظاهرية سريعاً إلى مناقشة حجج الوراثة السكانية حول الانتواع… في النهاية، فلا مفر لهؤلاء من (محاولة) التوصل إلى استنتاج مفاده أن آليات التطور الصغروي تتسق مع التطور الكبروي على الرغم من أن هذه الآليات ليس لها علاقة تذكر بتطوير الهيكل البنائي للنظرية وتنبؤاتها. القضية الحقيقية هنا هي أن التطور الجيني وحده غير كاف لإعطاء تفسير سببي مناسب لظهور التعقيد في السمات الظاهرية، ناهيك عن جعله جزءاً من شيء غامض يطلق عليه (التطور الكبروي)”
فهذه بعض المراجع التي تفرق بوضوح بين نوعين من التطور، بل وتنص على أن الآليات المرصودة في التطور الصغروي، والمعني به في الحقيقة (التكيفات داخل حيز النوع) لا يمكنها تفسير حصول التطور الكبروي ونشوء الصفات والبنى المستحدثة ولا أصول الشعب الحيوية!