بلورات الداروينية المفقودة
كلنا يعلم معضلة أو مشكلة عدم وجود آثار أو حفريات لكائنات انتقالية متدرجة بشكل واضح في طبقات الأرض بين أنواع الكائنات الحية، لتدل على تطور الكائنات الحية بعضها من بعض كما افترض داروين والداروينية الجديدة. ولتوضيح حجم هذه المعضلة؛ سنقدم مثالاً مقتبساً من كتاب:
«المهرطق: رحلة عالِمٍ من داروين إلى التصميم، ماتي ليزولا وجوناثان ويت»
(Heretic: One scientist’s journey from Darwin to Design)
لنفترض هذه المقاربة
جرت استضافتك أنت ومجموعة من أصدقائك في حقل واسع جداً تغطيه بلورات زجاجية بعمق قدم عن الأرض، نظراً لعمق هذه البلورات واتساع امتدادها وكثافتها؛ فإنه من الصعب عليك تحديد لون البلورة دون معاينتها مباشرة، إلا أن مضيفك أعلمك أن البلورات تأتي في ألوان مختلفة لا تعد ولا تحصى، مختلفة لدرجة أنك لو صففت كل عينة من عينات البلورات ذات الألوان المتدرجة بعضها بجانب بعض فإنك ستحصل على طيف ضوئي مطابقٍ (بدرجة عالية) طيفَ قوس قزح الضوئي، يتطابقان لدرجة أنك لن تستطيع تمييز انسيابية ألوان البلورات بين بعضها عن انسيابية الألوان في طيف قوس قزح الضوئي. إذاً، فالانتقال بين لون بلورة ولون البلورة المجاروة سيكون سلساً وانسيابياً فلا يستطيع الناظر ملاحظة هذا الانتقال.
لتحقيق هذه الغاية- أي ترتيب البلورات لتحصل على طيف ضوئي متدرج متناسق- دُفع لك ولأصدقائك مبلغ من المال مع التذكير أنك وأصدقاءك غير قادرين على التمييز الدقيق بين لون هذه البلورات؛ نظراً لعمقها واتساعها داخل هذا الحقل. انطلقت أنت وأصدقاؤك تلمون «بعشوائية» أكياساً من هذه البلورات بغية ترتيبها بتدريج للحصول على الطيف الضوئي المنشود!
جمعتم مئاتٍ ومئاتٍ من الأكياس من البلورات المنتشرة، ومع كل كيس كانت حيرتكم تزداد! البلورات داخل الأكياس المجموعة لا تتلون إلا بالألوان الرئيسة: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأخضر، وربما عشرة أو خمس عشرة بلورة باللون البرتقالي والبني بين عشرات الآلاف من البلورات ذات الألوان الرئيسة، ظهرت البلورات البرتقالية والبنية بسبب تشوه باللون الأحمر والأصفر!
لا توجد أي ألوان بينية!
لا توجد أي ألوان بينية!
رغم محاولاتك ألا تكون وقحاً فإنك وجدت نفسك مضطراً إلى ذكر ذلك لمضيفك الذي أقنعك بأن الحقل يحتوي على بلورات بطيف لامتناهٍ من الألوان!
ماذا كان رده؟ أجابك بثقة عمياء: إن معظم البلورات الموجودة في الحقل تتكون من الألوان الأساسية، ولكن إن بحثت وبحثت فلا بد أن تجد بلورات بألوان بينية تتمم لك الطيف الضوئي، وإن كانت قليلة، إلا أنها موجودة. عدت أنت المسكين مجدداً إلى هذا الحقل الواسع الممتد بحثاً عن هذه البلورات البينية الألوان، النادرة الوجود!
فشلت، فعدت إلى المضيف وأخبرته: «لم أجد أي ألوان بينية، فقط الألوان الرئيسية، ربما من نثر هذه البلورات في الحقل تعمد أن تكون البلورات كلها بلورات من الألوان الأساسية وتعمد ألا توجد أي بلورات بينية الألوان.» عندها قاطعك المضيف ناهراً: «من نثر هذه البلورات اختار ذلك؟! هذه البلورات لم ينثرها أحد، وإنما وجدت بألوانها في هذا الحقل بالصدفة المحضة»!
عندها وبتفكيرك المنطقي البسيط قلت للمضيف: «إذا كان هذا الحقل في حقبة من حقبات الزمن مليئاً بعشوائية محضة بالبلورات المتنوعة الألوان، المتكاملة في تدرجها، فكيف لا نستطيع إيجاد أيٍّ منها الآن؟!»
عندها غضب مضيفك صارخاً: «البلورات البرتقالية والبنية، ألا تراها؟»
نقلا عن كتاب Heretic-one scientist’s journey from Darwin to Design لماتي ليسلو وجوناثان ويت