التطور والداروينية
الآركيوبتركس، وأرنب القبعة
هذا المقال هو رد مختصر عما أثاره البعض مؤخراً عن أبحاث “جديدة” تعيد الآركيوبتركس لموقعه كأول طائر، وتعزز الافتراض أنه الحلقة الوسيطة بين الديناصورات والطيور!
ومقالي هذا هو أساساً لتبيان كيف أن الرؤية الداروينية هي حقاً إعاقة في طريق العلم، بل وتصيب المصدقين بها في الغالب ببعض القصور المعرفي والمنطقي نظراً لأنها هي نفسها قائمة في الأساس على المغالطات المنطقية كالتعميم المخل والاستدلال الدائري.
الحواديت والمقالات التطورية في غالبها ما هي إلا كعرض “ساحر السيرك” الذي يحاول لفت انتباه المشاهدين إلى الأرنب الذي يخرجه من القبعة بسرعة، ليلفت الانتباه بعيداً عن أصل المسألة والخدعة الموجودة في اللعبة .. ولذلك، ولكي يتفادى المشاهد المخدوع مثل هذه الخدع في المستقبل، فإليك عزيزي عدة قواعد:
قاعدة 1: حين يذكر أحدهم بحثاً أو دراسة، فدعك من مواقع الأخبار مثل ScienceAlert فهذه المواقع شعبوية في الأساس وليست علمية .. بل اذهب وابحث عن الدراسة مباشرة لتقرأ تفاصيلها.
الدراسة الأولى التي أثير الكلام حولها هنا (1)، ويدعي البعض أنها تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الآركيوبتركس هو أول طائر، وأنه سلف الطيور الحديثة.
مسألة العودة إلى الدراسة موضوع مهم جداً، لإنك لو فتحت الدراسة كاملة بدلاً من المواقع الإخبارية ستجد التالي:
– أن المؤلفين أنفسهم يعترفون أن فهم الوسط العلمي لموقع الأركيوبتركس وتصنيفه ما زال موضع جدل كبير
“إن صورتنا الحالية عن الأركيوبتركس تبدو مجزأة للغاية، وتحدث استقطاباً في المجتمع العلمي، وربما تقويض وضعه في قاعدة الشجرة التطورية للطيور”
– وستجد أن الباحثين يقولون عن عينتهم موضع البحث هذه:
“العينة غير محفوظة بشكل جيد، وقد أطلقنا عليها اسم “الطائر القبيح”، لأن العظام أصبحت منفصلة بعد وفاتها وتم خلطها معًا وسحقها. كان النصف السفلي من الجسم مفقودًا تمامًا.”
وهكذا عمل الباحثون على بعض العظام المهشمة والمنسحقة والمخلوطة لحفرية نصفها السفلي غير موجود بالمرة ثم قرروا أنه نوع من أنواع الآركيوبتركس (مختلف عن النوع المعروف) وقرروا أنه أول طائر، هكذا ببساطة!
– غير أن الدراسة بعد أن استعرضت صفات ما بقي من عظام الحفرية
“بشكل فردي ، لا تكفي أي من هذه الخصائص لإظهار أن Archeopteryx albersdoerferi كان قادرًا على الطيران”!!
حقاً؟! بعد هذا كله لا تظهر أي خصائص الحفرية أنها كانت قادرة على الطيران؟! ثم يفترض الباحثون أنه ربما كان لديها إمكانيات لأن تطير وأنها الطائر الأول .. يعني لو ركزت قليلاً فقط فربما تطير!
فهل هي طائر منقرض، أو أول طائر، أو حلقة وسيطة، أو لديه “إمكانيات”؟!
هذا كله فقط من الدراسة الأولى التي أوردوا كدليل!
بالمثل فالدراسة الثانية التي أوردها البعض مستدلاً بها على موقع الآركيوبتركس في الشجرة التطورية المفترضة (2) لو قرأتها كاملة ستجد التالي.
– ستجد أن الدراسة تحاول إثبات أن الريش كان موجوداً قبل الآركيوبتركس بكثير، وفقط .. وليس بها أية أدلة تشير من قريب أو بعيد إلى موضع الآركيوبتركس المفترض في الشجرة المزعومة، سوى ترديد ما في دراسات سابقة من افتراض مجرد أنه أول طائر وفقط.
– وستجد أن الدراسة نفسها تطرح عدة “تساؤلات مفتوحة” لم تجيب عليها من أهمها (ما هي وظائف أنواع الريش المعروفة في الأحافير السابقة، وليست في الطيور الحديثة؟ .. وكذلك كيف تطور الريش في مجموعات مختلفة من التيروصورات، والديناصورات، والطيور؟) .. هذه أسئلة أدرجتها الدراسة كأسئلة ما زالت بلا إجابات.
– وسنجد طبعاً الإجابات التطورية المعتادة المعلبة والمحفوظة والمعدة للاستخدام مع كل مأزق: إنه تطور متوازي أو متقارب، ربما تطور الريش بشكل مستقل عدة مرات، في عدة عائلات مختلفة، بمحض الصدفة التطورية والطفرات العشوائية! هكذا ببساطة .. يتم إسناد الموضوع للصدفة وانتهى الأمر!
قاعدة 2: ليس المهم ما “تدعيه” الدراسات وما “تفترضه”، المهم هو ما تقوله الأدلة الموجودة ومدى كفاية الأدلة لتأكيد الافتراض!
بمعنى آخر، هل سيشكل كون الآركيوبتركس أول طائر أو لا أي فرق جوهري في تثبيت فكرة تحول الديناصورات إلى طيور؟
هل بإمكان أي عالم أن يخبرنا كيف تطورت الزواحف (على خلاف كبير أيها) حقاً إلى الآركيوبتركس وكيف تطور الآركيوبتركس إلى الطيور الحديثة؟! قطعاً لا
هل بإمكان أي عالم أن يخبرنا أين هي (آلاف الحلقات الوسيطة) بين الآركيوبتركس وبين 18000 نوع من الطيور الحالية وكيف تطور الآركيوبتركس لها وتفرعت؟! الإجابة هي لا يوجد! فقط يتم التركيز على الآركيوبتركس باعتباره (أيقونة) وانتهى الأمر.
هل بإمكان أي عالم أن يخبرنا كيف تطورت السمات الأساسية للطيور والمختلفة تماماً عن الديناصورات في عدة اختلافات جوهرية وصولاً إلى الطيور الحالية؟ الإجابة هي لا.
في المقال المنشور عام 2009 (3) عن الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة أوريجون، توثق الدراسة اختلافات جوهرية بين الطيور والزواحف، في بناء الهيكل العظمي، وبناء الرئة، وطريقة التنفس.
يقول الباحثون:
“كان معروفا لعقود أن عظم الفخذ عند الطيور مثبت ويجعل الطيور (عداءة بالركبة) بعكس باقي الحيوانات البرية، كما يشرح المختصون من جامعة أوريجون، فما اكتشفوه مؤخرا، أن ثبات عظم الفخذ والبناء العضلي يمنع الكيس الهوائي الرئوي من الإنهيار عندما يتنفس الطير! …. وبناءا على هذا فإن الطيور بشكل شبه أكيد لم تنحدر من الديناصورات”
ويقول أحد الباحثين في الدراسة بوضوح (إن الطيور متواجدة في السجل الأحفوري أقدم من الديناصورات التي يفترض أنها انحدرت منها، وهذه مشكلة خطيرة)
لكن اللافت للنظر هو التصريح التالي لأحد الباحثين في الدراسة، حيث يقول:
“بصراحة، هناك الكثير من “السياسة” في عمل المتاحف في هذا المجال، والكثير من المهن الملتزمة بوجهة نظر معينة حتى لو كان هناك دليل علمي جديد يثير التساؤلات. في بعض عروض المتاحف، فإن النظرة التطورية عن الطيور المنحدرة من الديناصورات يتم تصويرها كحقيقة مقبولة إلى حد كبير، مع وضع علامة نجمة تشير إلى – (ويخالف بعض العلماء في ذلك) عملنا في جامعة ولاية أوريجون كان بمثابة تلك العلامة الوحيدة التي يتحدثون عنها. ولكن، الآن هناك المزيد من العلامات (طوال الوقت) هذا جزء من العملية العلمية”
هذه هي المشكلة الأساسية التي تكلمت عنها في أول المقال، مشكلة لعبة ساحر السيرك .. الذي يحاول جاهداً أن يدافع عن كون الآركيوبتركس أول طائر (أرنب القبعة) ويتجاهل تماماً أطنان المشاكل التي تحيط بهذه الدعوى ويلفت النظر عنها حتى لا يتسائل أحدهم ويكتشف الخدعة!!
يحاول فقط أن يثبت وضع كائن واحد (الآركيوبتركس) – ما زال موضع جدل كبير وانقسام – كحلقة انتقالية بين الزواحف والطيور، ويلفت النظر بعيداً عن الاختلافات الكبرى الجينية والتشريحية والوظيفية بين الزواحف والديناصورات، وعدم وجود أي حلقات وسيطة تصل إلى الطيور الحديثة المتواجدة حالياً.